قصة الرهان الكبير

Posted: November 29, 2016 in Uncategorized

#سلسلة مقالات في التنمية البشرية للمدربة مها قطنان

شاهدت/قرأت/سمعت/واجهت/تعلمّت/مازلت ،،

منذ 14 عاماً وفي إحدى الليالي الرمضانية كُنت على موعد مع إحدى روايات الأدب العالمي الروسي للكاتب أنتون تشيخوف ،،جسّد هذه الرواية على أرض الواقع الممثل المبدع ياسر العظمة في مسلسله مرايا ،،

 تدور أحداث الرواية حول رجل مصرفيّ من أثرياء روسيا في ذلك الحين ،، حيث يُقيم حفلةً كبيرةً في قصره الفخم ويدعو إليها معارفه من الطبقة المخملية ،،

وصادف أن كان من ضمن الحضور من دعى أحد المحامين الشباب المُقبلين بحماس على الحياة للحضور إلى هذه الحفلة الفارهة،،

تسير ترتيبات الحفلة على أحسن مايُرام حتى يفتتح أحد الحضور موضوعاً حول حكم الإعدام و السجن المؤبد ،،وبدأ كل شخص يُدلي برأيه في هذا الموضوع و لم يخلُ الأمر من مُجاملات ومُجاراة للمصرفي الثريّ الذي أجبر الحضور على تبني رأيه الذي ينصّ على أنّه يُفضّل الإعدام لأي مجرم حيث أنّه أفضل من الناحية الإنسانية ،،

ولكن يبدو أنّ هذا الرأي لم يُعجب صاحبنا المحامي الشاب! الذي عارض المصرفي الثري بكل جرأة أمام الحضور و أصر على رأي مخالف ! وهو أنّ السجن المؤبد لأي مُجرم هو الأقرب للإنسانية ! بل إنّ السجن المؤبد هو حياة أُخرى!!طال الجدال حول رأي كُلٍ منهما!

فقرّر المصرفي أن يُصّعد الجدال أكثر في هذا الموضوع أمام الحضور من خلال عرض رهان كبير على هذا الشاب الذي مازال في أُولى خطوات الحياة ! والذي لاشكّ بأنّ المال سيُغرِيه !بأن يُقدم له 2 مليون روبيل* إذا وافق على سجنه في قبو منزله لمدة 15 عاماً منعزلاً تماماً عن فكرة الخروج لأيّ ظرفٍ كان!

تم الاتفاق بين المصرفيّ الثريّ و المحامي الشاب على هذا الرِهان بشهادة الجميع،،حيث يُعتبر هذا الرهان لاغياً في حال خرج المحامي من سجنه قبل انقضاء المًدة المحدّدة بيومٍ واحد!!

يُسجن المحامي في قبو القصر،، و تمرّ الأيام الأُولى على صاحبنا وهو يشعر بالوحدة و الكآبة و الندم!لكنّه قرّر أن يلتزم بموقفه ويوفّر رفيقاً مثالياً يُصاحبه خلال وحدته التي من الجليّ أنها ستطول!

فبدأ يعزف بالآلات الموسيقية الموجودة في القبو ثم طلب من حُرّاسه أن يوفروا  له قائمةً من الكُتب المختلفة التي كان ينوّع في محتواها كل فترة ،،

فبدأ بشكل مُتباطىء يقرأ في في الكتب ! ثم لم يلبث أن انغمس فيها،،فصعد الجبال وهبط الوديان وقطع المُحيطات سباحة و سهر مع الأُدباء و الراحلين و تعلّم اللغات و عاد إلى العصور القديمة و تعرّف على عُظمائها ،، وتعرّف على تفكير الشعوب المختلفة و ثقافاتهم و تعلّم الأديان المختلفة و خاطب أبطال الروايات إلى درجة أنّه لم يعد يشعر بمرور السنوات في سجنه داخل القصر ،،

بينما مرّت السنوات بطيئةً كئيبةً على صاحبنا المصرفي الثري الذي كان يأمل في كل يوم أن يُغادر المحامي مَحبسه بدون سابق إنذار لعلّه يحتفظ بأمواله !! وقد زاد إحباطه أكثر نتيجة خسارته في عدد من الصفقات الاستثمارية !

حتى أنّه فكّر في قتل المحامي والتخلص منه! ولكن مالم يتوقعه أي إنسان ! أنّ المحامي و الذي غزا الشيب رأسه خلال هذه السنوات قد غادر محبسه قبل نهاية المدة بيوم واحد تاركاً خلفه رسالة للمصرفي يتنازل فيها عن قيمة الرهان و يخبره بأن ثروته الحقيقية هي تلك الكتب و المؤلفات التي رافقته خلال 15 عاماً ،،

انتهت القصة ،، والتي لاتزال عالقةً في ذهني بتفاصيلها،، ففي عالم يغرق حالياً بالماديات و المظاهر!لن تجد مُجالساً لك أكثر إخلاصاً من كتابٍ يُجيب على تساؤلاتك و يسامرك في كل لياليك،،لاينتظر مقابلاً منك ،،ولايُصنّفك ولايُعنّفك ،،

طاقة سلام و راحة بال أبعثها لكم

مها قطنان

*روبيل = العملة الروسية

 

Leave a comment